السلام عليكم ورحمة الله
يقول ابن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى:
نا أخبرك عن أبي بكر أخي رحمه الله، وكان متزوجاً بعاتكة بنت قند، صاحب الثغر الأعلى أيام المنصور أبي عامر محمد بن عامر، وكانت التي لا مرمى وراءها في جمالها وكريم خلالها، ولا تأتي الدنيا بمثلها في فضائلها. وكانا في حد الصبا وتمكن سلطانه تغضب كل واحد منهما الكلمة التي لا قدر لها، فكانا لم يزالا في تغاضب وتعاتب مدة ثمانية أعوام، وكانت قد شفها حبه واضناها الوجد فيه وانحلها شدة كلفها به حتى صارت كالخيال المتوسم دنفاً، لا يلهيها من الدنيا شيء، ولا تسر من أموالها على عرضها وتكاثرها بقليل ولا كثير إذا فاتها اتفاقه معها وسلامته لها. إلى أن توفي أخي رحمه الله في الطاعون الواقع بقرطبة في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعمائة، وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، فما انفكت منذ بان عنها من السقم الدخيل والمرض والذبول إلى أن ماتت بعده بعام في اليوم الذي أكمل هو فيه تحت الأرض عاماً. ولقد أخبرتني عنها أمها وجميع جواريها أنها كانت تقول بعده: ما يقوى صبري ويمسك رمقي في الدنيا ساعة واحدة بعد وفاته إلا سروري وتيقني أنه لا يضمه وامرأة مضجع أبداً، فقد أمنت هذا الذي ما كنت أتخوف غيره، وأعظم آمالي اليوم اللحاق به.
ولم يكن له قبلها ولا معها امرأة غيرها، وهي كذلك لم يكن لها غيره، فكان كما قدرت. غفر الله لها ورضي عنها.[i]